فصل: ذكر عصيان أهل برقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة قتل رجل من أصحاب مساور الشاري محمد بن هارون ابن المعمر، رآه وهويريد سامرأن فقتله، وحمل رأسه إلى مساور، فطلبت ربيعة بثأره، فندب مسرور البلخي وغيره إلى أخذ الطرق على مساور.
وفيها اشتد الغلاء في عامة بلاد الإسلام، فانجلى من أهل مكة كثير، ورحل عنها عاملهأن وهوبرية، وبلغ الكر الحنطة ببغداد عشرين ومائة دينار، ودام ذلك شهوراً.
وفيها قتلت الأعراب منجوراً والي حمص، واستعمل عليها بكتمر.
وفيها قتل العلاء بن أحمد الأزدي عامل أذربيجان، وكان سبب قتله أنه فلج، فاستعمل الخليفة مكانه أبا الرديني عمر بن علي، فلما قاربها خرج إليه العلاء، فتحاربأن فقتل العلاء، وانهزم أصحابه، وأخذ أبوالرديني ما خلفه العلاء وكان مبلغه ألفي ألف وسبع مائة ألف درهم.
وحج بالناس إبراهيم بن محمد بن إسماعيل المعروف ببرية، وهوأمير مكة.
وفيها ظهر بمصر إنسان يكنى أبا روح، واسمه سكن، وكان من أصحاب ابن الصوفي، واجتمع له جماعة، فقطع الطريق، وأخاف السبيل، فوجه إليه ابن طولون جيشأن فوقف أبوروح في أرض كثيرة الشقوق، وقد كان بها قمح فحصد، وبقي من تبنه على الأرض ما يستر الشقوق، وقد ألفوا المشي على مثل هذه الأرض. فلما جاءهم الجيش لقوهم، ثم انهزم أصحاب أبي روح، فتبعهم عسكر ابن طولون، فوقعت حوافر خيولهم في تلك الشقوق، فسقط كثير من فرسانها عنهأن وتراجع أصحاب أبي روح عليهم، فقتلوهم شر قتلة وانهزم الباقون أسوأ هزيمة.
فسير أحمد جيشاً إلى طريقهم إلى الواحات، وجيشاً في طلبه، فلقيه الجيش الذي في طلبه وقد تحصن في مثل تلك الأرض فحذرها عسكر أحمد، فحين بطلت حيلهم انهزموأن وتبعهم العسكر، فلما خرجوا إلى طريق الواحات رأى أبوروح الطريق قد ملكت عليه، فراسل يطلب الأمان، فبذل له، وبطلت الحرب، وكفي المسلمون شره.
وفيها توفي علي بن محمد العلوي الخماني، وكان يسكن الخمان، فنسب إليها.
وفيها قتل علي بن يزيد صاحب الكوفة، قتله صاحب الزنج.
وفيها كان بإفريقية وبلاد المغرب والأندلس غلاء شديد، وعم غيرها من البلاد، وتبعه وباء وطاعون عظيم هلك فيه كثير من الناس.
وفيها توفي محمد بن إبراهيم بن عبدوس، الفيه المالكي، صاحب المجموعة في الفقه؛ وهومن أهل إفريقية.
وفيها مات مالك بن طوق التغلبي بالرحبة، وهوبناهأن وإليه تنسب.
وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، وهوأبومحمد العلوي العسكري، وهوأحد الأئمة الاثني عشر، على مذهب الإمامية، وهووالد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامرأن وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
وفيها توفي أبوعلي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، الفقيه الشافعي، وهومن أصحاب الشافعي البغداذيين.
وفيها توفي حسين بن إسحاق الحكيم البيب. وهوالذي نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى العربية، وكان عالماً بها.

.حوادث سنة إحدى وستين ومائتين:

.ذكر الحرب بين محمد بن واصل وابن مفلح:

وفيها تحارب ابن واصل وعبد الرحمن بن مفلح وطاشتمر.
وكان سبب ذلك أن ابن واصل كان قتل الحارث بن سيمأن وتغلب على فارس، فأضاف المعتمد فارس إلى موسى بن بغأن والأهواز، والبصرة، والبحرين، واليمامة، مع ما كان إليه؛ فوجه موسى عبد الرحمن بن مفلح، وهوشاب عمره إحدى وعشرون سنة، إلى الأهواز، وولاه إياها مع فارس، وأضاف إليه طاشتمر؛ فلما علم ذلك ابن واصل، وأن ابن مفلح قد سار نحوه من الأهواز، زحف إليه من فارس، فالتقيا إليه من فارس، فالتقيا برامهرمز. وانضم أبوداود الصعلوك إلى ابن واصل، فاقتتلوأن فانهزم عبد الرحمن واخذ أسيرأن وقتل طاشتمر، واطلم عسكرهمأن وغمن ما فيه من الأموال والعدة وغير ذلك.
وأرسل الخليفة إلى ابن واصل في إطلاق عبد الرحمن، فلم يفعل، وقتله وأظهر أنه مات، وسار ابن واصل من رامهرمز، من بعد هذه الوقعة، مظهراً أنه يريد واسط لحرب موسى بن بغأن فانتهى إلى الأهواز وفيها إبراهيم بن سيما في جمع كثير، فلما رأى موسى شدة الأمر بهذه الناحية، وكثرة المتغلبين عليهأن وأنه يعجز عنهم، سأل أن يعفى، فأجيب إلى ذلك.

.ذكر ولاية أبي الساج الأهواز:

وفيها ولي أبوالساج الأهواز، بعد مسير عبد الرحمن عنها إلى فارس، وأمر بمحاربة الزنج، فسير صهره عبد الرحمن لمحاربة الزنج، فلقيه علي ابن أبان بناحية دولاب، فقتل عبد الرحمن، وانحاز أبوالساج إلى ناحية عسكر مكرم، ودخل الزنج الأهواز، فقتلوا أهلهأن وسبوا وأحرقوا.
ثم انصرف أبوالساج عما كان إليه من الأهواز، وحرب الزنج، وولاها إبراهيم بن سيمأن فلم يزل بها حتى انصرف عنها مع موسى بن بغا.
وفيها ولي محمد بن أوس البلخي طريق خراسان.

.ذكر عود الصفار إلى فارس والحرب بينه وبين ابن واصل:

لما كان من الوقعة بين عبد الرحمن بن مفلح وبين ابن واصل ما ذكرناه، اتصل خبرهما إلى يعقوب الصفار وهوبسجستان، فتجدد طمعه في ملك بلاد فارس، وأخذ الأموال والخزائن والسلاح التي غمنها ابن واصل من ابن مفلح، فسار مجداً.
وبلغ ابن واصل خبر قربه منه وانه نزل البيضاء من أرض فارس، وهوبالأهواز، فعاد عنها لا يلوي علي شيء، وأرسل خاله أب بلال مرداساً إلى الصفار، فوصل إليه، وضمن له طاعة ابن واصل، فأرسل يعقوب الصفار إلى ابن واصل كتباً ورسلاً في المعنى، فحبسهم ابن واصل، وسار يطلب الصفار والرسل معه يريد أن يخفي خبره، وأن يصل إلى الصفار بغتة لم يعلم به. فينال منه غرضه، ويوقع به.
فسار في يوم شديد الحر، في ارض صعبة المسلك، وهويظن أن خبره قد خفي عن الصفار، فلما كان الظهر تعبت دوابهم، فنزلوا ليستريحوأن فمات من أصحاب ابن واصل من الرجالة كثير جوعاً وعطشأن وبلغ خبرهم الصفار، فجمع أصحابه وأعلمهم الخبر وسار، وقال لأبي بلال: إن ابن واصل قد غدر بنأن وحسبنا الله ونعم الوكيل! ومضى الصفار إلى ابن واصل، فلما قاربهم وعلموا به انخذلوا وضعفت نفوسهم عن مقاومته ومقاتلته، ولم يتقدموا خطوة، فلما صار بين الفريقين رمية سهم انهزم أصحاب ابن واصل من غير قتال، وتبعهم عسكر الصفار، وأخذوا منهم جميع ما غمنوه من ابن مفلح، واستولى على بلاد فارس، ورتب بها أصحابه وأصلح أحوالها.
ومضى ابن واصل منهزمأن فأخذ أمواله من قلعته، وكانت أربعين ألف ألف درهم، وأوقع يعقوب بأهل زم لأنهم أعانوا ابن واصل، وحدث نفسه بالاستيلاء على الأهواز وغيرها.

.ذكر تجهز أبي أحمد للمسير إلى البصرة:

وفيهأن في شوال، جلس المعتمد في دار العامة، فولى ابنه جعفراً العهد، ولقبه المفوض إلى الله، وضم إليه موسى بن بغأن فولاه إفريقية، ومصر، والشام، والجزيرة، والموصل، وأرمينية، وطريق خراسان ومهرجانقذق، وولى أخاه أبا أحمد العهد بعد جعفر، ولقبه الناصر لدين الله الموفق، وولاه المشرق، وبغداد، والسواد، والكوفة، وطريق مكة والمدينة، واليمن، وكسكر، وكور دجلة، والأهواز، وفارس، وأصبهان، وقم، وكرج، ودينور، والري، وزنجان، والسند، وعقد لكل واحد منهما لواءين: أسود وأبيض، وشرط إن حدث به الموت، وجعفر لم يبلغ، أن يكون الأمر للموفق، ثم لجعفر بعده، وأخذت البيعة بذلك.
فعقد جعفر لموسى على المغرب، وأمر الموفق أن يسير إلى حرب الزنج؛ فولى الموفق الأهواز والبصرة وكور دجلة مسروراً البلخي، وسيره في مقدمته في ذي الحجة. وعزم على المسير بعده، فحدث من أمر يعقوب الصفار ما منعه عن المسير، وسنذكر أول سنة اثنتين وستين ومائتين.
وفيها فارق محمد بن زيدويه يعقوب بن الليث، وسار إلى أبي الساج، وأقام معه بالأهواز، وخلع عليه المعتمد وسأل أن يوجه الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى خراسان.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس؛ ومات الحسن بن أبي الشوارب بمكة بعدما حج.

.ذكر ولاية نصر بن أحمد الساماني ما وراء النهر:

في هذه السنة استعمل نصر بن أحمد بن أسد بن سامان خداه بن جثمان ابن طمغاث بن نوشرد بن بهرام جوبين بن بهرام خشنش؛ وكان بهرام خشنش من الري، فجعله كسرى هرمز بن أنوشروان مرزبان أذربيجان، وقد تقدم ذكر بهرام جوبين عند ذكر كسرى هرمز.
ولما ولي المأمون خراسان، واصطلح أولاد أسد بن سامان، وهم: نوح، وأحمد، ويحيى، وإلياس، بنوأسد بن سامان، قربهم ورفع منهم واستعملهم ورعى حق سلفهم؛ فلما رجع المأمون إلى العراق استخلف على خراسان غسان بن عباد، فولى غسان نوح بن أسد، في سنة أربع ومائتين، سمرقند، وأحمد بن أسد فرغانة، ويحيى بن أسد الشاش وأشروسنة، وإلياس بن أسد هراة.
فلما ولي طاهر بن الحسين خراسان ولاهم هذه الأعمال، ثم توفي نوح ابن أسد، وأقر طاهر بن عبد الله أخويه على عمله: يحيى، وأحمد، وكان أحمد بن أسد عفيف الطعمة، مرضي السيرة، لا يأخذ رشوة، ولا أحد من أصحابه، ففيه قيل، أوفي ابنه نصر:
ثوى ثلاثين حولاً في ولايته ** فجاع يوم ثوى في قبره حشمه

وكان إلياس يلي هراة، وله بها عقب وآثار كثيرة، فاستقدمه عبد الله ابن طاهر، وكان رسمه فيمن يستقدمه أن يعد أيامه، فأبطأ إلياس، فكتب إليه بالمقام حيث يلقاه كتابه، فبلغه الكتاب وقد سار عن بوشنج، فأقام بها سنة تأديباً له، ثم أذن له في القدوم عليه.
فلما مات إلياس بهراة أقر عبد الله ابنه أبا إسحاق محمد بن إلياس على عمله، فأقام بهراة، وكان لأحمد بن أسد سبعة بنين، وهم: نصر، وأبويوسف يعقوب، وأبوزكرياء يحيى، وأبوالأشعث أسد، وإسماعيل، وإسحاق وأبوغامن حميد، ولما توفي أحمد بن أسد استخلف ابنه نصراً على أعماله بسمرقند وما وراءهأن فبقي عاملاً عليها إلى آخر أيام الطاهرية، وبعد زوال أمرهم إلى أن مضى لسبيله.
وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصرأن فولاه نصر بخارى سنة إحدى وستين ومائتين.
ومعنى قول أبي جعفر: وفي سنة إحدى وستين ولي نصر بن أحمد ما وراء النهر، أنه تولاه من جانب الخليفة، وإمنا كان يتولاه، من قبل، من عمال خراسان، وإلا فالقوم تولوا قبل هذا التاريخ.
وكان سبب استعماله إسماعيل إنه لما استولى يعقوب بن الليث على خراسان أنفذ نصر جيشاً إلى شط جيحون ليأمن عبور يعقوب، فقتلوا مقدمهم، ورجعوا إلى بخارى، فخافهم أحمد بن عمر، نائب نصر، على نفسه، فتغيب عنهم، فأمروا عليهم أبا هاشم محمد بن المبشر بن رافع بن الليث بن نصر بن سيار، ثم عزلوه وولوا أحمد بن محمد بن ليث والد أبي عبد الله بن جنيد، ثم صرفوه وولوا الحسن بن محمد من ولد عبدة بن حديد؛ ثم صرفوه، وبقيت بخارى بغير أمير، فكتب رئيسها وفقيهها أبوعبد الله بن أبي حفص إلى نصر يسأله توجيه من يضبط بخارى، فوجه أخاه إسماعيل، ثم إن إسماعيل كاتب رافع بن هرثمة حين ولي خراسان، فتعاقدا على التعاون والتعاضد، فطلب منه إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياها.
وكان إسماعيل يؤامره في المكاتبة، ثم سعت السعاة بين نصر وإسماعيل فأفسدوا ما بينهمأن فقصده نصر سنة اثنتين وسبعين ومائتين، فأرسل إسماعيل حمويه بن علي إلى رافع بن هرثمة يستنجده، فسار إليه في جيش كثيف، فوافى بخارى، قال حمويه: ففكرت في نفسي، وقلت: إن ظفر إسماعيل بأخيه فما يؤمنني أن يقبض رافع على إسماعيل، ويتغلب على ما وراء النهر؟ وإن لم يفعل ذلك، ووفى لإسماعيل، فلا يزال إسماعيل معترفاً فقيد رافع وجريحه، ويحتاج أن يتصرف على أمره ونهيه، فاجتمعت برافع خلوة، وقلت له: نصيحتك واجبة علي، وقد ظهر لي من نصر وإسماعيل ما كان خفياً عني، ولست آمنهما عليك، والراي أن لا تشاهد الحرب، وتحملهما على الصلح؛ فقبل ذلك، فتصالحأن وانصرف عنهما.
قال لحمويه: ثم إنني أعلمت إسماعيل، بعد ذلك، الحال كيف كان، فعذر رافعاً في إلزامه بالصلح، واستصوب فعل حمويه، وبقي نصر وإسماعيل مدة، ثم عادت السعاة، فسد ما بينهمأن حتى تحاربا سنة خمس وسبعين ومائتين، فظفر إسماعيل بأخيه نصر؛ فلما حمل إليه ترجل له إسماعيل، وقبل يديه، ورده من موضعه إلى سمرقند، وتصرف على النيابة عنه ببخارى.
وكان إسماعيل خيرأن يحب أهل العلم والدين، ويكرمهم، وببركتهم دام ملكه وملك حكى أبوالفضل محمد بن عبد الله البلعمي قال: سمعت الأمير أبا إبراهيم إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند، فجلست يوماً لمظالم، وجلس أخي إسحاق إلى جانبي، فدخل أبوعبد الله محمد بن نصر الفقيه الشافعي، فقمت له إجلالاً لعلمه ودينه، فلما خرج عاتبني أخي إسحاق، وقال: أنت أمير خراسان، يدخل عليك رجل من رعيتك فتقوم له، فتذهب السياسة بهذا.
قال: فبت تلك الليلة، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام وكأني واقف وأخي إسحاق، فأقبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذ بعضدي فقال لي: يا إسماعيل! ثبت ملكك وملك بيتك لإجلالك لمحمد ابن نصر. ثم التفت إلى إسحاق وقال: ذهب ملك إسحاق وملك بيته باستخفافه بمحمد بن نصر.
وكان محمد بن نصر هذا من العلماء بالفقه على مذهب الشافعي، العاملين بعلمه، المصنفين فيه، وسافر إلى البلاد في طلب العلم، وأخذ العلم بمصر من أصحاب الشافعي يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، ومحمد بن عبد الله بن الحكم، وصحب الحارث المحاسبي واخذ عنه علم المعاملة، وبرز فيه أيضاً.

.ذكر عصيان أهل برقة:

وفي هذه السنة عصى أهل برقة على أحمد بن طولون، وأخرجوا أميرهم محمد بن الفرج الفرغاني، فبعث ابن طولون جيشاً عليهم غلامه لؤلؤ، وأمره بالرفق بهم، واستعمال اللين، فإن انقادوا وإلا السيف.
فسار العسكر حتى نزلوا على برقة، وحصروا أهلهأن وفعلوا ما أمرهم من اللين، فطمع أهل برقة، وخرجوا يوماً على بعض العسكر، وهم نازلون على باب البلد، فأوقعوا بهم وقتلوا منهم.
فأرسل لؤلؤ إلى صاحبه أحمد يعرفه الخبر، فأمره بالجد في قتالهم، فنصب عليهم المجانيق، ووجد في قتالهم، وطلبوا الأمان، فأمنهم، ففتحوا له الباب، فدخل البلد، وقبض على جماعة من رؤسائهم، وضربهم بالسياط، وقطع أيدي بعضهم، وأخذ معه جماعة منهم وعاد إلى مصر، واستعمل على برقة عاملا.
ولما وصل لؤلؤ إلى مصر خلع عليه أحمد خلعة فيها طوقان، فوضعها في رقبته، وطيف بالأسرى في البلد.

.ذكر ولاية إبراهيم بن أحمد إفريقية:

في هذه السنة توفي محمد بن أحمد بن الأغلب، صاحب إفريقية، سادس جمادى الأولى، وكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوماً.
ولما حضره الموت عقد لابنه عقال العهد واستخلف أخاه إبراهيم لئلا ينازعه، وأشهد عليه آل الأغلب ومشايخ القيروان، وأمره أن يتولى الأمر إلى أن يكبر ولده، فلما مات أهل القيروان إبراهيم وسألوه أن يتولى أمرهم، لحسن سيرته وعدله، فلم يفعل، ثم أجاب، وانتقل إلى قصر الإمارة، وباشر الأمور، وقام بها قياماً مرضياً.
وكان عادلأن حازماً في أموره، أمن البلاد، وقتل أهل البغي والفساد، وكان يجلس لعدل في جامع القيروان يوم الخميس والاثنين، يسمع شكوى الخصوم، وبصبر عليهم، ووينصف بينهم.
وكان القوافل والتجار يسيرون في الطرق آمنين.
وبنى الحصون والمحارس على سواحل البحر، حتى كان يوقد النار من سبتة فيصل الخبر إلى الإسكندرية في الليلة الواحدة، وبني على سوسة سورأن وعزم على الحج، فرد المظالم، وأظهر الزهد والنسك، وعلم أنه إن جعل طريقه إلى مكة على مصر منعه صاحبها ابن طولون، فتجري بينهما حرب، فيقتل المسلمون، فجعل طريقه على جزيرة صقلية ليجمع بين الحج والجهاد، ويفتح ما بقي من حصونهأن فاخرج جميع ما أذخره من المال والسلاح وغير ذلك، وسار إلى سوسة فدخلها وعليه فرومرقع في زي الزهاد، أول سنة تسع وثمانين ومائتين، وسار منهأن في الأسطول، إلى صقلية.
وسار إلى مدينة فملكها سلخ رجب، وأظهر العدل، وأحسن إلى الرعية، وسار إلى طبرمين، فاستعد أهلها لقتاله، فلما وصل خرجوا إليه والتقوأن فقرأ القارئ: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} الفتح: 1 فقال الأمير اقرأ: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} الحج: 19؛ فقرأ فقال: اللهم إني أختصم أنا والكفار إليك في هذا اليوم! وحمل، ومعه أهل البصائر، فهزم الكفار، وقتلهم المسلمون كيف شاءوأن ودخلوا معهم المدينة عنوة، فركب بعض من بها من الروم مراكب فهربوا فيها.
والتجأ بعضهم إلى الحصن وأحاط بهم المسلمون وقاتلوهم، فاستنزلوهم قهرأن وغمنوا أموالهم، وسبوا ذراريهم، وذلك لسبع بقين من شعبان، وأمر بقتل المقاتلة، وبيع السبي والغنيمة.
ولما اتصل الخبر بفتح طبرمين إلى ملك الروم عظم عليه، وبقي سبعة أيام لا يلبس التاج، وقال: لا يلبس التاج محزون. وتحركت الروم، وعزموا على المسير إلى صقلية لمنعها من المسلمين، فبلغهم أنه سائر إلى القسطنطينية، فترك الملك ها عسكراً عظيمأن وسير جيشاً كثيراً إلى صقلية.
وأما الأمير إبراهيم فإنه لما ملك طبرمين بث السرايا في مدن صقلية التي بيد الروم، وبعث سرية إلى ميقش، وسرية إلى دمشق، فوجدوا أهلها قد أجلوا عنهأن فغمنوا ما وجدوا بها.
وبعث طائفة إلى رمطة، وطائفة إلى الياج، فأذعن القوم جميعاً إلى أداء الجزية، فلم يجبهم الرسل منها يطلبون الأمان فلم يجبهم.
وكان قد ابتدأ به المرض، وهوعلة الذرب، فنزلت العساكر على المدينة، فلم يجدوا في قتالها لغيبة الأمير عنهم، فإنه نزل منفرداً لشدة مرضه، وامتنع منه النوم، وحدث به الفواق، وتوفي ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين، فاجتمع أهل الري من العسكر أن يولوا أمرهم أبا مضر بن أبي العباس عبد الله ليحفظ العساكر، والأموال، والخزائن، إلى أن يصل إلى ابنه بإفريقية، وجعلوا الأمير إبراهيم في تابوت، وحملوه إلى إفريقية، ودفنوه بالقيروان، رحمه الله.
وكانت ولايته خمساً وعشرين سنة، وكان عاقلأن حسن السيرة، محباً لخير والإحسان، تصدق بجميع ما يملك، ووقف أملاكه جميعها؛ وكان له فطنة عظيمة بإظهار خفايا العملات، فمن ذلك أن تاجراً من أهل القيروان كانت له امرأة جميلة صالحة عفيفة، فاتصل خبرها بوزير الأمير إبراهيم، فأرسل إليهأن فلم تجبه، فاشتد غرامه بهأن وشكا حاله إلى عجوز كانت تغشاه، وكانت أيضاً لها من الأمير منزلة، ومن والدته منزلة كبيرة، وهي موصوفة عندهم بالصلاح، يتبركون بهأن ويسألونها الدعاء، فقالت للوزير: أنا أتلطف بهأن وأجمع بينكما.
وراحت إلى بيت المرأة، فقرعت الباب وقالت: قد أصاب ثوبي نجاسة أريد تطهيرها؛ فخرجت المرأة ولقيتها فرحبت بهأن وأدخلتهأن وطهرت ثوبهأن وقامت العجوز تصلي، فعرضت المرأة عليها الطعام، فقالت: إني صائمة، ولا بد من التردد إليك؛ ثم صارت تغشاهأن ثم قالت لها: عندي يتيمة أريد أن أحملها إلى زوجهأن فإن خفت عليك إعارة حليك أجملها به فعلت.
وأحضرت جميع حليها وسلمته إياهأن فأخذته العجوز وانرفت، وغابت أيامأن وجاءت إليهأن فقالت لها: أين الحلى؟ فقالت: هوعند الوزير، عبرت عليه وهومعي فأخذه مني، وقال لا يسلمه إلا إليك، فتنازعتأن وخرجت العجوز، وجاء التاجر زوج المرأة، فأخبرته الخبر، فحضر دار الأمير إبراهيم وأخبره الخبر، فدخل الأمير إلى والدته، وسألها عن العجوز، فقالت: هي تدعولك؛ فأمر بإحضارها ليتبرك بهأن فأحضرتها والدته، فلما رآها أكرمها وأقبل عليهأن وانبسط معها.
ثم إنه أخذ خاتماً من إصبعها وجعل يقبله ويعبث به، ثم إنه أحضر خصياً له وقال له: انطلق إلى بيت العجوز، وقل لابنتها تسلم الحق الذي فيه الحلي، وصفته كذأن وهوكذا وكذأن وهذا الخاتم علامة منها.
فمضى الخادم وأحضر الحق، فقال لعجوز: ما هذا؟ فلما رأت الحق سقط في يدهأن وقتلهأن ودفنها في الدار، وأعطى الحق لصاحبه، وأضاف إليه شيئاً آخر، وقال له: أما الوزير فإن انتقمت منه الآن ينكشف الأمر، ولكن سأجعل له ذنباً آخذه به؛ فتركه مدة يسيرة، وجعل له جرماً آخذه به فقتله.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة استعمل المعتمد على الله، الخليفة على أذربيجان، محمد بن عمر ابن علي بن مرا الطائي الموصلي، فسار إليهأن وجمع معه جموعاً كثيرة من خوارج وغيرهم، وكان على أذربيجان العلاء بن أحمد الأزدي، وهومفلوج، فخرج في محفة ليمنع محمد بن عمر، فقاتله، فانهزم عسكر العلاء، وأخذ أسيرأن واستولى محمد بن عمر بن علي على قلعة العلاء، وأخذ منها ثلاثة آلاف ألف درهم، ومات العلاء في يده.
وفيها استعمل المعتمد على الله على الموصل الخضر بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي الموصلي.
وفيها رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان، وأحرق شالوس لممالأة أهلها ليعقوب، وأقطع ضياعهم للديالمة.
وفيها أمر المعتمد بجمع حاج خرسان، والري، وطبرستان، وجرجان، وأعلمهم أنه لم يول يعقوب خراسان، ولم يكن دخوله خراسان وأسره محمد ابن طاهر بأمره.
وفيها قتل مساور الشاري يحيى بن جعفر الذي كان يلي خراسان، فسار مساور البلخي في طلبه، وتبعه أبوأحمد، وهوالموفق بن المتوكل، فسار من بين أيديهما فلم يدركاه.
وفيها هرب ابن مروان الجليقي من قرطبة، فقصد قلعة الحنش، فملكها وامتنع بهأن فسار إليه محمد، صاحب الأندلس، فحصره ثلاثة أشهر، فضاق به الأمر، حتى أكل دوابه، فطلب الأمان، فأمنه محمد، فأمنه محمد، فسار إلى مدينة بطليوس.
وفيها عصى أهل تاكرنا مع أسد بن الحارث بن رافع، فغزاهم جيش محمد، صاحب الأندلس، وقاتلهم، فعادوا إلى الطاعة.
وفيها توفي أبوهاشم داود بن سليمان الجعفري؛ والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قاضي القضاة، وكان موته في رمضان؛ وأبوالحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، صاحب الصحيح؛ وعبد العزيز بن حيان الموصلي، وكان كثير الحديث؛ والنضر بن الحسن الفقيه الحنفي، وكان من الموصل أيضاً.